لقد كان لنا يوماً أحباب

حينما
نجد العينين الغارقتين ببحر من الدموع، ومعها نجد ذكرى الأماكن التي
تلاحقها تلك العيون، نتمنى وقتها أن يمتلئ فضاءها بالأشخاص الذين كانوا
معنا وقضينا معهم أجمل الأوقات ، والآن تنطق الألسن بصوتٍ حائرٍ متقطعٍ
تتقطع معه الألباب ، هل أيها المكان نجد عندك دواءً يداوي جراحنا ، ونجد
أحبابنا يوماً هنا ينتظروننا ، فقد وهبنا حضنك الدفيء سعادةً لا تنسى ،
واليوم رحل الأحباب وتركونا عند بابك ننتظر بدموعٍ منهمرة ، لم نأتي طالبين
منك شيئاً تتصدق به علينا ، ولا نريدك أن تغلق بابك بوجهنا ، بل نريد أن
ننظر إلى ذكرياتنا التي تفوح منها رائحة الحب الزكية ، وإن وجدتنا نضحك
أمام بابك اليوم فضحكاتنا لن تخرج صادقة كما عهدت منا ، لأنها قد تزينت
اليوم بزينة الحزن والألم ، وغبار الهم يجعلنا نرجع للوراء ونقول ( لقد كان
لنا يوماً أحباب) .



بدأت
الوحدة تدق ناقوس حياتنا ، ولم تبدأ بذلك إلا عند أول حرفٍ نطق بها لسان
أحبابنا حينما قالوا ( الوداع ) ، أصعب لحظه أن نسمع من أفواههم تلك
النغمة البائسة التي تيبست بقولها قلوبنا ، وجفت بالأعين دموعنا ، ورحلت
الأفراح عن حياتنا ، تتحدث وقتها ملامحنا ، وتخرس ألستنا ، فالتعبير وقتها
يخوننا ، والكلام قد يرحل عنا ، نجد الصمت يحل كل من حولنا ، تتوقف نبضات
قلوبنا ، يصمت الكون من حولنا ، تنعدم حركة الأشجار ، ويتوقف موج البحار ،
وتموت في البساتين الأزهار ، فهي أصعب اللحظات ، نجد الكون ضبابياً تكاد
تنعدم الرؤيا ، فالدموع ملت المقلتين ، ولن تسقط إلا بضم كفوف المحبين ،
وفي هذه اللحظة الصعبة ندور كدوران الأرض حول نفسها ونقول ( لقد كان لنا
يوماً أحباب) .



يسأل
هل هو ضعف منك يا من ( تبكي ) ، ويلام عارُ عليك ( البكاء ) ، فقد عرفت
بالقوي الذي يزيل الثلوج من أعالي الجبال، ولديك من الجبروت والسلطان ، لكن
دمعتك أثبتت لنا أن قطرة منها كافية لتزيل وتذيب معها الجبال ، فيا ترى هل
تبكي وتردد معي ( لقد كان لنا يوماً أحباب ) .

همسة :

(
لغة الدموع ): ليست فقط لغة ! بل إنها لغة مميزة وتختلف عن باقي اللغات
وخاصةً حينما تكون دموعاً منهمرة تغطي المكان بصدقها ، وتجعلك تحترم صاحبك
الذي حين توديعه لك تسيل منه دمعاتٍ لطالما مسحتها أنت بمنديلك ، وبعدك ليس
هناك من يشاركه الدمعة ويمسحها ؟ بقي منديلك ذكرى من ذكرياته التي يفتخر
بها ، ويتحدى بها عالمه ، وأقول له : لقد عشت مع أحبابك زمناً ليس بقصيرٍ
كي تنساهم بين ليلةٍ وضحاها ، لأنك لطالما سمعت منهم كلماتٍ صادقة ليست
كالكلمات العابرة، بل نقية كقلوبهم التي تشتاق لها أنت اليوم ، وهم عنك
اليوم قد أبعدهم الزمان .